أخي الحبيب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتعلم ما هي النعمة التي ما وُجدت نعمة على الأرض أجلُّ وأعظم منها: إنها نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى، فرِقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن، وعطية من الديّان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزاً مكيناً وحصناً حصيناً من الغي والعصيان .
ما رقّ قلبٌ لله عزّ وجل إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات، مشمّراً في الطاعات والمرضات. فالقلب الرقيق صاحبه صديق، وأي صديق ..والقلب الرقيق رفيق ونِعْمَ الرفيق .. لذلك ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر :
كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقاً؟ كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة؟ فأكون حبيباً لله عز وجل، ولياً من أوليائه لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى !!
أخي يا رعاك الله .. للرقة أسباب تكرّم الله عز وجل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب، فمنها النظر والتأمل في آيات القرآن الذي وصفه الله بقوله : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}. فما قرأ عبدٌ القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلاّ وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقاً قد خفق قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
ثانياً : أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر، وأنه ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار!! ومن نظر إلى القبور وإلى أحوال أهلها انكسر قلبه إذ يرى فيها الآباء والأمهات، والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب، والإخوان والخلان، يرى منازلهم ويتذكّر أنه قريباً سيكون بينهم، وأنه قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيماً وجحيماً.
ما نظر عبد هذه النظرات ، واستجاشت في نفسه هذه التأملات إلاّ اهتز القلب من خشية الله، وانشطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله تعالى إقبال صدق وإخبات .
أخي الكريم .. أسأل الله الكريم أن يرزقني وإياك قلباً خاشعاً ولساناً ذكراً وعيناً دامعةً ورزقاً واسعًا ، والسلام.