توطئة
قررت الكتابة في منتصف الليل كي لا تهرب الكلمات في الصباح. كلنا يعرف أن كلام الليل مدهون بالزبدة للأسف. تذوب تلك الزبدة حين تنهزم جنود الظلام أمام عسكر نور النهار. لذلك قاومت خلايا المخ الرمادية التي تئن تحت وطأة الموت وتصارع من أجل إستنساخ ذاتها عبر دفعي للنوم عنوة.
وقبل أن تتكاثف سحب النوم قررت أن أحدثكم عن كيوي. وقلت لعله من المناسب أن أحدثكم عنما فعله ولماذا يجب أن وكيف تصبحون مثله.
من هو كيوي
في حياتي تعرف على كيوي ثلاث مرات. في الأولى كان ذلك الفاكهة الخضراء اللذيذة التي عادة ما تزين وجه الكيك أو نلتهمها مثلجة في حر الصيف. والثانية كان نوع من الطيور يعيش في نيوزيلندة. والثالثة هي علبة طلاء الأحذية! هل تعرفون علبة طلاء الاحذية اكرمكم الله؟ تلك التي من نوع كيوي. هل لاحظ أحدكم الطائر الطائر المرسوم على غطاء العلبة المستديرة؟ هل فكر أحدكم أن يعرف لماذا يصر هذا الطائرة على الظهر دوما فوق كل علية طلاء سوادء بكل سماجة؟
على العموم، من كان يظن أنني سأتحدث عن النوع الاول من الكيوي، فقد أخطأ، وأعتقد أن حبه للكيوي الفاكهة قد سجنه في خانة التفكير فيه. أتفهم ذلك، فالحب أعمى
سأتحدث اليوم عن كيوي من النوع الثاني. الكيوي الطير.
للأسف ولأن الدنيا مليئة بالقصص الحزينة مثل، الثعلب الذي خدع الحمار والتهمه، فلا ينبغي أن نحزن على الحمار لأن لحمه تمزق بين انياب الثعلب، ولا أن نكره الثعلب لأنه خدع الحمار ثم التهمه. فحياة الغابة هكذا. لهذا أرجو من كل تشجع لقراءة المقال أن لا يحزن لأن كيوي هو نوع من الطيور التي لا تطير للأسف. إذا لم يحزنكم ذلك، هذا يعني أنكم لم تعملوا في إحدى جمعيات حقوق الحيوان ولله الحمد
لكن الذي دفعني للحديث عن “كيوي” هو فيديو من ثلاث دقائق فقط. فيديو رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد لطالب ماجستير قام بتصميم الفيلم كجزء من بحث التخرج. المثير في الفيلم المعروض على اليوتيوب أنه قد شاهده حتى كتابة هذه الكلمات أكثر من 32 مليون مشاهد! يا للهول! إن كيوي لا يمزح أبدا!
حلم كيوي
الفيلم يتحدث عن طائر كيوي، يحلم أن يطير ولو للحظة واحدة. ولكي يحقق حلمه يقرر أن يثبّت أشجار كثيرة على جانب جبل مرتفع جدا. يثبت الأشجار بمسامير في جانب الجبل بحيث يصبح طول الشجرة على امتداده موازيا لسطح الأرض من ناحية وعموديا على جانب الجبل من ناحية أخرى. ولكي يحقق حلمه في أن يطير بين الأشجار، يقرر القفز من الجبل، وخلال سقوطه يمر بين المئات من الأشجار المقلوبة والمثبتة بجانب الجبل التي قام بوضعها طيلة الفترة التي عمل فيها بجد وتعب على تحقيق حلمه. ينتشي كيوي محققا حلمه بعد جهاد ونية! ينتشي وهو يطير لأول مرة في حياته. ثم ينتهي الفيلم بأن يغمض كيوي عينيه وتترقرق بعض الدمعات من عينيه لأن…. لن أقول السبب. يجب أن تكتشوفا السبب بأنفسكم وسنى من يعرف لماذا بكى كيوي!
لماذا يجب أن نصبح كيوي؟
ما أثارني للكتابة، هو الحافز الهائل الذي امتلكه كيوي لكي يحقق حلمه. لقد قرر حين وجد أن الطبيعة ضده، أن يغير قوانين اللعبة. قرر تغيير الأمر الواقع طالما أن الواقع لم يتوافقا مع متطلبات حلمه.
لم يغير من حلمه ولا طموحه، بل قام بتغيير الظروف المحيطة به، حتى ولو كانت النتيجة كارثية على كيوي. لقد قرر الإمعان في الحلم والمضي قدما في تحقيقه حتى أخر قطرة دم.
لم يستسلم كيوي لليأس كما يفعل الآلاف من الشباب اليوم. الذين ما أن يشاكوا بشوكة حتى يتخلوا عن حلمهم ويبدأوا في تناول المخدرات وتدخين التبغ الردئ بشراهة. هذا إضافة إلى الاستماع لأغنيات الحزن والكآبة مثل أغنيات المطرب “حسد الأحمر”.
يجب أن نصبح كلنا مثل كيوي لأن الحياة لا تحابي الكسالى ولا الضعفاء ولا صغار الأحلام. فالحياة لا تفاضل بين الإنسان الطيب والإنسان الشرير. بل تعطي من يستحق فقط! لذلك يجب أن نحلم ونبحث عن الطرق المشروعة لتحقيق أحلامنا وأن لا نتوقف بسبب العثرات والتي كثيرا ما هي.
يجب أن نقف بعد كل فشل ونراجع أسباب الخلل ونجد طريقا آخرى ثم نمضي قدما. لو استلم كل واحد فينا للإحباط وتثبيط المثبطين ووعورة الدرب لما كنا نحيا الآن بالإسلام ولا كنا ننعم بالكهرباء والإنترنت والتطور التكنولوجي الهائل. إن ما نحياه الأن كان بفضل إنسان حالم آمن بأن الله سيحقق حلمه.
يقول إينشتاين أن التخيل أهم من المعرفة. وهو يؤكد بأن حلول المشاكل يتم بالتخيل أكثر من استخدام تراكم المعرفة أو الخبرة. ولنا في ذلك أمثلة كثيرة. فنظرية الأواني المستطرقة لم تكتشفها نظريات أرخميدس بل تخيله للنظرية وهو يغتسل هو الذي فعل! وكل الأشكال والمجسمات الجميلة التي نراها في المباني والكمبيوتر والهواتف الذكية ما هي إلا ابداعات العقل البشري الذي كان يحلم ويتخيل تلك الأشكال الجميلة ولم يهدأ له بال حتى يحولها إلى حقيقة. وكذلك مستقبل الإنسان. يتخيله بين يديه ثم يعلم على تحقيقه.
في الختام أذكر أن كل العظماء نجحوا لأنهم آمنوا بحلمهم وتثبثوا به حتى آخر قطرة. وحسبنا في الثبات على الأمل أن نتذكر مقولة خالدة قالها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته“.
هل عرفتتم لماذا يجب أن نصبح مثل كيوي؟ حالمووووووون